يستيقظ متأخرا يحاول جاهدا اللحاق بعمله، ليتفاجأ بدولاب مركبته معطوبا، وأنه يحتاج الى اصلاح, فينطلق مرة ثانية بسرعة ويجد زحاما شديدا على الطرقات, ثم يزداد التوتر لديه وفي النهاية يجد نفسه متأخرا ويتعرض للتنبيه والتعنيف من مسؤوليه.. !!»يا له من يوم مليء بالمتاعب» هذه الفكرة التي باتت تسيطر على ذهنه الا انه يأمل ان الأمر قد انتهى عند هذا الحد.
رحلة التوتر لم تنته بعد ففي طريق عودته للبيت يتذكر اشياء عليه شراءها ويمر على السوق فيجد نفسه متورطا في شجار مع احدهم لأن الأخير لا يريد الالتزام بالدور. تلك المشاهد جعلته يستشيط غضباً فما يلبث ان يصل لمنزله وعائلته تتنظره لكي يبادلون مشاعر الحب والشوق فيبادلهم غضباً ونكداً شديدين.
في حادثة أخرى ، لم يخطر ببال أحدهم أن تنهي كلمة واحدة في وقت الغضب حياة أحدى الأسر بعد خمس سنوات ، حيث كان النقاش يتعالى فيه صوت حتى انتهى بكلمة «طالق» لزوجته.
ولا تقتصر هذه المواقف على الانفعالات الغاضبة ، بل تتعداها في احيان كثيرة إلى ما لا يحمد عقباه ، فيستبد الغضب ببعض الأشخاص عند حدوث أي نقاش وتتحرك الانفعالات لتقود إلى أخطر المشكلات و تتعدى ذلك لتصبح حوادث تسيل فيها الدماء وتزهق الأرواح بسبب الغضب وسرعة الانفعال وغياب الاتزان العقلي لأمور لا تستحق ذلك. وفي كل الاماكن يظهر الغضب وتوابعه ففي الجامعات والمستشفيات وحتى الطرق العامة حيث لا يسيطر الاشخاص على غضبهم ليتحول ذلك الشعور وإن كان بسيطاً إلى حادثة كبيرة قد لا ينفع فيها الندم بحجة أنها ( لحظة غضب).
وهنا ينبغي ان نتعلم كيف نلجم الغضب ونخفف من حدته.
تعريف الغضب
تعرف مدربة المهارات الحياتية سنا السالم الغضب بقولها: « ان الغضب هو أحد المشاعر الانسانية الطبيعية وما هو إلا ردة فعل لأمر معين. وتضيف :» ويحق لنا أن نغضب ونحزن ولكن ما لا يحق لنا هو أن نتجاوز حدوداً وقيماً معينة عند الغضب، وأغلب الناس يلجاًون له لأنه الفعل الأسهل ، فالصعوبة هو يأن يتمالك الشخص نفسه ويتحكم بلسانه وانفعالاته وأفعاله.»
وتتابع:» ان الغضب عادة ما يؤدي إلى نتائج غير مرغوب بها حيث أنه يأخذك إلى حيث لا تريد ، فإما الانسحاب من الموقف أو الهجوم وكلاهما مضر لصحتك العقلية والجسدية والنفسية ولن يعود عليك بالفائدة التي ترغبها.
وتضيف السالم :» التحكم في الغضب والتفكير العقلاني يكون عن طريق السماح بمرور دقيقتين على الأقل عند الانفعال دون اتخاذ أي قرار أو القيام بأي تصرف وذلك لأن الله قد جزأ المخ البشري إلى جزء أيمن وجزء أيسر علما بأن الأيسر هو الجزء العقلاني والواقعي الخاص بالحقائق والأرقام والجزء الايمن هو الجزء المسؤول عن العواطف والانفعالات والخيال والإبداع ، واللافت أن الجزء الأيمن الانفعالي أسرع من الجزء الايسر العقلاني بدقيقتين ، وهذه الفترة وإن كانت قصيرة إلا أنك ستندم كثيراً على ما قد تفعل بها، لذا اترك هاتين الدقيقتين تمران بسلام إلى أن يبدأ الجزء العقلاني بالعمل. وتتابع « حاور نفسك واعترف بمشاعرك بانك الآن غاضب وأن أي قرار أو ردة فعل ستقوم بها الآن ما هي إلا عن طريق الجزء الانفعالي وأنه في الأغلب ستندم بعد دقيقتين. فقم بتغيير وضعيتك خلال هاتين الدقيقتين.واذا تمكنت من ذلك فإنك تملك مهارة حياتية هامة وهي مهارة الاستجابة، والتي تعتمد على اتخاذ قرار بكيفية الاستجابة لظرف معين باستعمال الجزء الايسر من دماغك وقد تركت خلفك سلوك « رد الفعل» الذي يقوم على اتخاذ سلوك انفعالي دون أي تفكير عقلاني.
وتزيد «أما قرارك الثاني ليكن بالتركيز على أمر ايجابي يسعدك عند حدوث موقف يغضبك، لتتمكن من ضبط مشاعرك وتحويلها فيما بعد من غضب سلبي إلى غضب بناء ويعني ان تغضب من نفسك عند قيامك بفعل خاطئ وأن تتعلم من أخطائك ، وتسعى من خلال هذا الغضب إلى التغيير نحو الأفضل. وإلا كيف سترتقي بسلوكك إن لم تتعلم من أخطائك. فعوضا ًمن غضبك من نفسك بسبب ما فعلت والهجوم عليها بكلمات سلبية مثل: انا فاشل ، أنا لا أفهم وحتى أنا غبي فالافضل تقييم سلوكك والتفكير في كيفية تحسينه وماذا تعلمت من هذا الموقف للمستقبل.» وتنصح ايضا «السالم» بمحاولة تقييم اسباب الغضب ومثيراته والتركيز على الحلول وكيفية تدارك الموقف ، والتحدث مع النفس بإيجابية ، فالنفس هي التي ستتحكم بردود الفعل تجاه المواقف المختلفة. وعندما يكون الشخص هادئا تصبح الأمور بسيطة للغاية «فتحكم بنفسك فأنت أقوى من أن تتحكم بك الظروف».
هرمون الغضب..اضرار كبيرة على الجسم
إن الانفعالات الشديدة والضغوط التي يتعرض لها الإنسان كالخوف والغضب يحرض الغدة النخامية على إفراز هرمونها المحرض لإفراز كل من الأدرينالين والذي يؤدي إفرازه في الدم إلى تغيرات فسيولوجية وكيميائية حيوية مذهلة، إنه يهيء الجسم لقوى رهيبة؛ وذلك استجابة لإشارة التهديد الصادرة من الغضب والغيظ والحقد، وتقوم أيضا غدة «الأدرينال» بإفراز هرمونات القشرة مثل هرمون «الكورتيزون»؛ لإعداد الجسم بيولوجيا للدفاع عن الإرهاق النفسي بأشكاله المختلفة.
كما أن ارتفاع هرمون «النور أدرينالين» في الدم يؤدي إلى تسارع دقات القلب، وهذا ما يشعر به الإنسان حين الانفعال، والذي يجهد القلب وينذر باختلاطات سيئة. فهو يعمل على رفع الضغط الدموي بقبضه للشرايين والأوردة الصغيرة، كما أن الارتفاع المفاجئ للضغط قد يسبب لصاحبه نزفاً دماغياً صاعقاً يؤدي إلى إصابة الغضبان بالشلل، وقد يصاب بالجلطة القلبية أو الموت المفاجئ، وقد يؤثر على أوعية العين الدموية فيسبب له العمى المفاجئ. وكلنا يسمع بتلك الحوادث المؤلمة التي تنتج عن لحظات الغضب.
إن معظم حوادث داء السكري تبدأ بعد انفعال شديد لحزن أو غضب. ويزداد أثناء ثورات الغضب إفراز الكورتيزول من قشر الكظر مما يؤدي إلى زيادة الدهون في الدم على حساب البروتين، ويحل الكورتيزول النسيج اللمفاوي مؤدياً إلى نقص المناعة وإمكانية حدوث التهابات جرثومية متعددة، وهذا ما يعلل ظهور التهاب اللوزات الحاد عقب الانفعال الشديد، كما يزيد الكورتيزول من حموضة المعدة وكمية الببسين فيها مما يهيء للإصابة بقرحة المعدة أو حدوث هجمة حادة عند المصابين بها بعد حدوث غضب عارم.
وبعد ؛ فهذا هو الغضب ، وتلك بعض آثاره ومضاره الخطيرة على الفرد والمجتمع ، وهذه طرق علاجه ووسائل الوقاية منها وعلى كل إنسان أن يعي جيداً بأنه عاطفةٌ لا يمكن تلاشيها كلياًولكن يمكن التدرب على التخفيف منه ، ولنتذكر دائما كلام سيدنا محمد صلى الله عليه حين أتاه أحد أصحابه فقال له يا رسول الله أوصني فقال « لا تغضب « .
إرسال تعليق Blogger Facebook